فوائد زيت الزيتون ضد الكوليسترول في المطبخ المتوسطي العربي

“نزلوا عالقرية يلمّوا الزيتون”. هذا ما قاله لنا جيران أصدقائنا عندما مررنا بمنزلهم في المدينة في مشوار ساعة العصرية في أحد الأيام في تشرين. لحقنا بهم الى بستانهم في القرية لنجد الأم والأب والأبناء والبنات يساعدون المزارع وشغيلته من الشباب في جمع الزيتون. أليس هذا طقساً جميلاً؟ لن تروه إلا في بلادنا ومن حولنا في حوض البحر الأبيض المتوسط. فالزيتون هبة الله لنا في هذه البلاد وهذا السائل الزمردي الذي ينساب من قلب حبات اللولؤ الأخضر فيه فائدة لحياة أجسامنا ما زالت تكشف عن أسرارها لنا شيئاً فشيئاً وآخرها ما نشر في مجلة علمية شهيرة ولكن سأحدثك عنها باختصار لاحقاً.

في أواخر التسعينات وأول عقد من القرن الواحد والعشرين ركزت النصائح الغذائية الأكثر انتشاراً على تصفية الدهون من حميتنا حتى نتمكن من انقاص اوزاننا. ولكن للأسف ارتد هذا المبدأ في وجه كثيرات منا عندما حاصرنا انفسنا بالمأكولات الخفيفة الدسم فوجدنا الجوع سيد الحاضرين في اغلب أيامنا. تسمع أجسامنا الحديث وتقول، “لو أنكن تنصتن لنا تجدن الحكمة هنا في أجسامكن أيتها السيدات والآنسات”. فبالطبع الدهون أساسية لتتمتعي بنعمة الشبع وأجسامنا تريدها لأنها، اقصد الدهون، أيضاً أساسية في صحة اجسامنا ويجب ان يكون لها مكانها في نظام تغذيتنا. فباختصار، سلطة هزيلة ولبن خالي من نقطة دسم مش رح يشبعنا ومش هيك بس.. هو رح يمهد الطريق لمعاناتنا وفلتان زمام الأمور بعدين. عرفتي قصدي؟
والآن بعد أن عدنا الى الصواب (بتتزكروا ساندوتشات الزيت والزعتر في طفولتنا) واصبحنا اكثر حكمة غذائياً على كِبر، عادت بعض الأشياء الى موائدنا وعلى رأسها زيت الزيتون بجانب أكلات الموضة الصحية الحالية ومنها زيت جوز الهند (وليس زيت النخيل المهدرج جزئياً، أرجوكم) والأفوكادو والأسماك الدهنية مثل التونا والسالمون وحتى احياناً بعض اللحم الأحمر. عاد البيض بشمسه وقمره وليس بالبياض فقط ملخوخاً لفطور يوم الجمعة المتأخر، وربما احياناً- يا إلهي – بعض النقانق (مثل برَنْش اليوم). بعض الجبنة البيضاء النابلسية المحلاه بعض الشيء فوق السلطة او بعض المكسرات مثل صنوبر، لوز، فستق، بذر القرع، بذر عين الشمس، كاشو، فوق السلطة أو عالماشي من الجيبة؟ لمٓ لا. كلها دهون صحية لكن، وهذا بيت القصيد – بكميات معقولة فلا تأخذك الحمية بالإثم فعدد سعراتك الحرارية المطلوبة يومياً يجب ان يظل كما هو دون زيادة والسبيل الى ذلك هو إستبدال الضار بالمفيد. فمع نضوج نظرتنا للتغذية اصبحنا في المقابل نقلل من اشياء اخرى مثل الحلويات حتى ولو كانت منزوعة الدسم او الأطعمة المصنعة الجاهزة والتي تبيعنا السكر وتغالي مقابل تخفيض الدهون فيها.

كيف تقرأي تقرير فحص الكوليسترول؟

أنواع الدهون في الطعامعندما تطلب طبيبتك فحصاً مخبرياً للكوليسترول وتقرأي التقرير ستجدي ان هناك عدة انواع من الكوليسترول. وكما هو الحال في اصابع يدك فليست كل اصابع يدك واحدة وكذلك الكوليسترول، بعضه مفيد وبعضه ضار. اسم الكوليسترول الضار العلمي الكوليسترول خفيض الكثافة LDL بينما يسمى الكوليسترول المفيد كوليسترول عالي الكثافة HDL.
الكوليسترول الضار خفيض الكثافة يلتصق بجدران شرايين الجسم ويزيد من تصلبها ويضيقها وهذا بدوره يرفع ضغط الدم وقد يسبب الم الصدر وعندما تضيق شرايين القلب بدرجة كبيرة تنتج الجلطة. وما يحدث في الجسم شبيه بما يحدث في ابريق فلترة الماء اذ تعلق الشوائب الصلبة الموجودة في الماء داخل الفلتر وينزل الماء صافياً تشربيه بالهنا والشفا. والفلتر في جسمك، او بالأحرى أحد فلاتر جسمك، هو الكوليسترول عالي الكثافة فهو ينقب الكوليسترول الضار من دمك ومن اماكن التصاق صفائحه plaques بجدران شرايينك ويحمله الى الكبد حيث يتم تحييده والتخلص منه.

وللوقاية من امراض القلب والشرايين، من ارتفاع ضغط الدم وجلطات القلب والسكتة الدماغية من المهم تنزيل كمية الكوليسترول الضار ورفع كمية الكوليسترول المفيد ولكن من الضروري ايضاً تحسين فعالية أداء الكوليسترول المفيد لعمله.

كيف يحمي زيت الزيتون شرايينك من الكوليسترول الضار؟

“خبزي وزيتي عمار بيتي”. هذا مثل شعبي وهو صادق بسيط. وزيت الزيتون عمار للصحة ايضاً. فقد نشرت مجلة الدورة الدموية العلمية Circulation دراسة حديثة من اسبانيا وهي احد البلدان الثلاثة المنتجة لأغلب زيت زيتون العالم مع ايطاليا واليونان، وجدت هذه الدراسة ان أحد الوسائل الفعالة في زيادة قدرة الكوليسترول المفيد عالي الكثافة على التخلص من هذه الصفائح المؤذية التي تلتصق بالشرايين هو زيت الزيتون.
تابع الاطباء الاسبان مجموعة من ٣٠٠ شخص معرضين بدرجة عالية للاصابة بامراض القلب وقسموهم الى مجموعتين، احداها اتبعت نظام غذائي منخفض الدهون وغني بالخضار والفواكه بينما اتبعت المجموعة الثانية ما يعرف بالنظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط واضيف لنصفهم زيت الزيتون بينما النصف الثاني تناول المكسرات عوضاً عن زيت الزيتون. بعد سنة من المتابعة وجد الإسبان ان مجموعة واحدة فقط وهي تلك التي اتبعت نظام غذائي منخفض الدهون ولكن ليس نظام البحر المتوسط هي التي انخفض فيها مستوى الكوليسترول الكلي والضار LDL ولكن افراد المجموعتين اللتين اتبعتا نظام حوض المتوسط هم من تمكنوا من تحسين طريقة عمل الكوليسترول المفيد HDL ولكن تفوقت مجموعة زيت الزيتون على مجموعة المكسرات. فعالية الكوليسترول المفيد زادت من عدة نواحي وشملت تحسين قدرة الكوليسترول المفيد على تنظيف جدران الاوعية الدموية وتحسين قدرته على العمل كمضاد للأكسدة وهذه مهمة لحماية الشرايين من التهيج inflammation الذي يضعفها ويجعلها عرضة لالتصاق الصفائح الدهنية التي قد تؤدي للجلطة. كما كانت هاتين المجموعتين افضل في ابقاء جدران الاوعية الدموية في اجسامهم طرية مرنة فالاوعية المتصلبة اكثر عرضة للأذى.

فلنعد الى الجذور ونحتفل كل يوم على موائدنا بموروثنا العربي المتوسطي، نسبة الى بحرنا الأبيض المتوسط الغالي.

ما رأيِك؟ هل لديك تعليق؟

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.