طريقة تفاعلنا مع أطفالنا تشكل هويتهم ومستقبلهم

كنت صباح هذه الجمعة الربيعية الدافئة اتناول قهوتي في الحديقة عندما استحوذ عصفور غاضب على مسامعي فنظرت الى السماء لأرى من من سكان الطوابق العليا من كوكبنا قد بالغ في استعمال حنجرته في هذا الوقت المبكر من عطلة نهاية الأسبوع بينما ما زال نصف سكان الحي في فراشهم يتمتعون بساعة اضافية من النوم. نظرت فوجدت عصفوراً صغيراً على طرف غصن يوجه انظاره الى بومة اتخذت غصن شجرة الصنوبر امام البيت منزلاً لها منذ سنوات حتى صارت وكأنها من اهل البيت يسأل عنها زوارنا ويطلبون رؤيتها قبل المغادرة. كان واضحاً ان ذلك العصفور غاضب بشدة يصرخ بصوت عالٍ دون توقف موجهاً تعبيراته الى البومة النعسانة والتي لا بد انها قد قضت ليلة طويلة في الصيد. فكرت، كيف كان لهذا العصفور الصغير من الشجاعة ما سمح له بالصراخ كما فعل. ألم يعلمه أحد أن البوم طائر جارح يفترس الطيور الصغيرة. من حسن الحظ ان لم يفعل ذلك احد لأن البوم ما كان منه سوى ان نظر الى العصفور الصغير ثم نظر ثم نظر الى ان مل صديقنا الصغير وطار. هذا العصفور لم يسلبه احد من شجاعتة وفضوله. لم يحوله احد بكلامه او افعاله من طير حر فضولي الى فأر صامت قابع في جحر خوفاً من الأذى. وهذا ما اتمناه لكل طفل عربي.

آه، لو تعي كل أم وكل أب كيف تشكل اقوالهم وافعالهم وردود افعالهم كيان طفلتهم وشخصيتها وواقع مستقبلها قبل حاضرها. انها تتعلم منهم حدود امكانياتها وهل لها أن تطير وتبدع وتحلق أم تخاف وتلتزم بالمألوف والمحدود. منهم تصلها رسائل تحثها بأن تكتفي من الحياة باللون الباهت الذي اتعبته شمس نهار حار او أن تبادر وتخلط الأصباغ بنفسها وتشكل لوناً جديداً يشع بريقه لأنه قد ولد للتو بين أناملها. هذه الطفلة أو الطفل هي بنتك او ابنك الذي ليس عالمنا هذا سوا صفحة بيضاء لهما أن يرسما ويكتبا فيها ما لا حدود لجماله او قيمته.

لا اخفيكم بأني أحسست بنسمة دافئة تحيي أملي في أمتنا عندما قرأت في نفس هذا الصباح الذي قابلت فيه عصفوراً صغيراً يصرخ أمام بومة، أن ابن خلدون، ذلك الحكيم الفيلسوف العربي، قبل ستمائة عام – تصوروا قبل ستمائة عام – قد قال “القسوة في تربية الأبناء تحملهم على الكذب وتجعلهم يتظاهرون بغير ما في ضمائرهم خوفاً من انبساط الأيدي عَلَيهِم.” لقد حان الوقت ليصحو جيل واحد ويتحمل مسؤوليته في تربية ابنائه وبناته بالأسلوب الصحيح كي يتغير مستقبل امتنا كله. لا بد وان يصحح جيل واحد اولوياته فيكتفي بطفل أو طفلين ويربيهم بروية وتفكر وحكمة بدل ان يكدس الاطفال في زوايا ضيقة معتمة ويتركهم للاهمال والعوز والقسوة تضغط وتضغط عليهم فينكمشوا في ظلال الجهل والحرمان ولا تعطى لهم الفرصة لأن يشبوا على الصورة البهية التي خلقهم لها رب السموات والارض.
للمزيد اقرأي مقال سابق عنوانه: هل ضرب الأطفال طريقة مفيدة في التربية؟

ما رأيِك؟ هل لديك تعليق؟

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.