الخلايا الجذعية بين الحقيقة والخيال

إن موضوع الخلايا الجذعية مثير للإهتمام كما هو مثير للجدل، وقد أحاطته قصص الخيال وأفلام السينما واستغلته محاولات الإحتيال أيضاً. وقد تم فصل خلايا جذعية لأول مرة من الفئران في الثمانينات من القرن الماضي، وما زال العلم والطب يجتهدان في فهم أسرار هذه الخلايا العجيبة ولكن ما زالت محاولة الإستفادة منها في علاج الأمراض وتخفيف معاناة الإنسان لم تتخطى المراحل الأولى بعد.

ما هي الخلايا الجذعية stem cells؟

إن الخلايا الجذعية موجودة في جميع الكائنات المركبة لأنها نقطة البداية. فهذه الخلايا لها القدرة على التحول إلى أصناف كثيرة ومتعددة من الخلايا، كما أنها تستمر في الإنقسام وزيادة عددها إلى ما لا نهاية تقريباً. وتفقد هذه الخلايا قدرتها على الإستمرار في الإنقسام إلى ما لا نهاية عندما تتحول إلى خلايا جذعية بالغة adult stem cells. أما سبب اهتمام العلم بها فيعود إلى أنها قد تصبح في يوم من الأيام المصدر الذي نلجأ إليه عندما نحتاج إلى أنسجة جديدة لتحل محل الأنسجة التي يدمرها المرض أو الحوادث. أما الفائدة الثانية لها فهي في كونها مفيدة في المختبر إذ أن دراستها باب يمكن الولوج منه إلى فهم ما يحدث عندما يصاب البشر بالأمراض مثل السرطان، وقد تقودنا إلى اكتشاف أصناف جديدة من الأدوية لعلاج تلك الأمراض. وتشبه الخلايا الجذعية في بعض صفاتها الخلايا السرطانية، ويعتقد أن بعض أنواع اللوكيميا ناتجة عن خلل يصيب الخلايا الجذعية. وقد نفهم كيف ينمو السرطان وينتشر في الجسم إذا فهمنا كيف تتحول الخلايا الجذعية إلى أصناف مختلفة من الخلايا الأخرى.

Human_embryonic_stem_cells_only_A[1]

أين توجد الخلايا الجذعية؟

توجد الخلايا الجذعية في الأجنة ولدى البشر البالغين أيضاً. ويمكن العثور على الخلايا الجذعية embryonic stem cells في الجنين بعد خمسة أيام من إخصاب البويضة وعندها يكون عدد خلايا الجنين بأكمله لا يتعدى المائة خلية وجميعها قادرة على التحول إلى الأصناف الأخرى من الخلايا التي ستشكل بمجموعها الأجهزة والأعضاء المختلفة للجسم. وقد تمكن العلماء من فصل هذه الخلايا من الأجنة المبكرة الناتجة عن الإخصاب خارج الرحم (أطفال الأنابيب) وحضنها في المختبر ولاحظوا أنها تكاثرت ولكن بدأ بعضها بالتحول إلى خلايا بالغة ولكنها ما زالت خلايا جذعية adult stem cells مع تغيير في قدرتها على الإنقسام والزيادة. هنا تدخل العلماء وزرعوا هذه الخلايا تحت ظروف خاصة بحيث لا تتحول إلى خلايا بالغة وهكذا أصبح لديهم مصدر لا ينتهي من الخلايا الجذعية الجنينية وأصبحوا غير مضطرين لأخذ خلايا مجدداً من أجنة بشرية مخصبة خارج الرحم.

256px-Human_fetus_10_weeks_with_amniotic_sac_-_therapeutic_abortion[1]

أما عند الإنسان البالغ فتوجد خلايا جذعية بالغة في النخاع العظمي والدم والعيون والدماغ والعضلات. ويمكن لهذه الخلايا أن تتحول إلى خلايا من أصناف أخرى تقوم بوظائف وعمليات متخصصة ولكن خلافاً للخلايا الجذعية الجنينية فإن عدد الأصناف التي يمكن أن تتحول إليها الخلايا الجذعية البالغة محدود. هذا وقد تمكن العلماء من زيادة عدد الأصناف بتعريض الخلايا الجذعية البالغة إلى مواد كيماوية مختلفة تشبه ما يفرزه جسم الإنسان تحت ظروف خاصة مما أدى إلى تحول الخلايا الجذعية البالغة إلى عدد أكبر من الأصناف المختلفة.

ولكن أيضاً لم تقف عبقرية العلماء عند هذا الحد فقد تمكنوا من تحويل خلايا عادية متخصصة مثل خلايا الجلد لتعود إلى أصلها وهو الخلايا الجذعية التي لها القدرة على التحول إلى خلايا أخرى غير الخلايا الجلدية مثل خلايا الأعصاب والقلب. وعندما زرع بعض العلماء هذه الخلايا في الفئران انقسمت – أي تكاثرت – وكونت أنسجة تشبه الأنسجة البشرية في أجسام الفئران.

هل صار علاج الأمراض بالخلايا الجذعية واقعاً؟

في الوقت الحاضر هناك عدد محدود من الأمراض التي يمكن علاجها باستخدام الخلايا الجذعية ومنها:

1سرطانات الدم مثل اللوكيميا والليمفوما.

2فشل النخاع العظمي.

3بعض أمراض الدم مثل الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي sickle cell anemia.

4بعض أمراض نقص المناعة.

5بعض أمراض الأيض metabolic disorders التي تؤثر على قدرة الجسم على تحليل الفضلات الكيماوية والتخلص منها.

بنوك دم الحبل السري وبنوك الخلايا الجذعية umbilical blood banks

هناك نوعين من بنوك دم الحبل السري:

البنوك العامة حيث تتبرع الأمهات والآباء بالدم الموجود في الحبل السري والمشيمة بعد ولادة الجنين لأن هذا الدم غني بالخلايا الجذعية الدموية blood stem cells والتي تشبه الخلايا الموجودة في النخاع العظمي. ويمكن لأي مريض كان الإستفادة من الخلايا المتوفرة في البنوك العامة.

البنوك الخاصة حيث تتمكن الأمهات والآباء من تخزين خلايا مواليدهم الجذعية لتكون متوفرة إذا احتاجها المواليد أنفسهم أو أحد أفراد أسرهم في المستقبل ولا يستفيد منها باقي الأفراد في المجتمع.

ولكن ما هو احتمال الحاجة إلى هذه الخلايا في المستقبل؟ والجواب هو ما بين واحد من خمسة آلاف إلى واحد من عشرين ألفاً وذلك في العشرين سنة الأولى من الحياة. كما أن هناك بعض الأمراض مثل اللوكيميا التي في أغلب الأحيان تمنع استعمال الخلايا الجذعية التي تخص المريض نفسه للعلاج ولكن يمكن استعمال الخلايا الجذعية من شخص آخر كأحد الإخوة للعلاج والسبب يكمن في طبيعة المرض نفسه.

لذلك من الأفضل الحصول على معلومات من مصادر موثوقة قبل اتخاذ قرار بخصوص تخزين دم الحبل السري لمواليدكم في البنوك الخاصة كي تكونوا على اطلاع بالأمراض التي تنفع الخلايا الجذعية في علاجها حالياً واحتمال إصابة أطفالكم بها في المستقبل. ومن المصادر الموثوقة موقع NHS Cord Blood Banking.

الإستعمالات الحالية للخلايا الجذعية

زراعة النخاع العظمي

وقد توفرت هذه الطريقة العلاجية منذ خمسين عاماً مضت وتحقن فيها الخلايا المأخوذة من النخاع العظمي لأحد إخوة المريضة في جسم المريضة باللوكيميا والليمفوماnon-Hodgkin’s lymphoma   وبعض أمراض الدم الوراثية مثل الثلاسيميا وفقر الدم المنجلي. ويحتوي النخاع العظمي على خلايا جذعية دموية قادرة على التحول إلى وانتاج المزيد من خلايا الدم بأنواعها المختلفة من كريات حمراء وبيضاء وصفائح. ولكن يحتاج الأطباء في البداية إلى تدمير خلايا النخاع العظمي التي تخص المريضة باستعمال أدوية السرطان الكيماوية وأحياناً بالأشعة ثم تحقن فيها خلايا النخاع العظمي التي تم التبرع بها.

أما حالياً فهناك بدائل أخرى فمن الممكن حقن المتبرع بدواء خاص يسبب خروج الخلايا الجذعية من نخاع العظام إلى الدورة الدموية ثم يتم حصاد تلك الخلايا الجذعية  بعد سحب كمية من دم المتبرع ويتم حقنها في جسم المريضة. كما أن هناك بديل آخر وهو استعمال خلايا جذعية من دم الحبل السري المودع في البنوك العامة أو الخاصة.

إنشاء نماذج للخلايا المريضة

إن دراسة وفهم ما يحدث داخل الخلايا عندما يصاب الإنسان بالأمراض أمر في غاية الأهمية وهو الخطوة الأولى على طريق طويل يؤدي لاكتشاف أدوية وعلاج لهذه الأمراض. وكي تتوفر الكميات المطلوبة من الخلايا للدراسة من المفيد التمكن من زراعتها ونموها في المختبر. ولكن المشكلة أن هذه الخلايا العادية لا تنمو دائماً وتتكاثر في المختبر بنجاح ولذلك التفت العلماء إلى استعمال الخلايا الجذعية كبديل لأنها تنقسم وتتكاثر بشكل لا متناهي وهم يحاولوا تحويلها إلى خلايا تشبه الخلايا المريضة ولكن لم يكتب دائماً النجاح لهذه المحاولات.

إقامة الأبحاث حول الإستفادة من الخلايا الجذعية في علاج الأمراض

لقد بدأت فعلاً أبحاث بشرية أولية في مواضيع فقدان السمع ومرض ألزهايمر وإصابات النخاع الشوكي والسكتة الدماغية والسكري (فئة 1) ومرض التصلب المتعدد multiple sclerosis وأمراض الشبكية والقرنية في العين وفي زراعة الأعضاء مثل الجلد والغضاريف في المفاصل والقصبة الهوائية.

علاج بالخلايا الجذعية عبر الإنترنت

مع أن الأبحاث الأولية تبشر بالخير في علاج بعض الأمراض إلا أنها ما زالت حصرياً في طور الأبحاث ولكن هذا لم يثني بعض العيادات الخاصة في أنحاء من العالم عن الإعلان عن تقديم علاجات بالخلايا الجذعية ولكن اللجوء إليها بدون براهين مثبتة وموثوقة على فعالية وأمان ما تقدمه من علاجات ووصف دقيق للوسائل المتبعة لديهم أمر محفوف بالمخاطر.