قصة بدايتنا بالصور

لو أننا نتذكر جميعاً ودائماً أننا نبتدىء وننتهي سواسية لكان حال العالم أفضل بكثير. إنها جملة أحببت أن أبدأ بها، أما صلب ما سيلي فهو علمي بحت وإن كان ظاهرياً فقط. أقول ظاهرياً لأن ما سترينه هو ما تمكن العلم من كشفه عن بدايات الحياة، وقد تكتفي بالمشاهدة عبر الدقائق القليلة القادمة ثم تذهبي لشرب فنجان من الشاي، وقد تختاري أن تغوصي إلى عمق أكبر فتفكري بما ستراه عيناك وتذوقي حلاوة الذهول من المعجزة التي هي أنتِ. فلا تدعي أحدهم يقنعك بأنك أقل منه لأن الخالق سخر معجزته كاملة لصنعك ولم يكتفي بنصف معجزة أو أقل.

عنوان الفلم “من التكوين إلى الولادة” From Conception to Birth ويتحدث ألكساندر تسيارس الذي عمل كأستاذ مشارك في كلية الطب وكرئيس قسم التقنيات العلمية المرئية في جامعة ييل Yale University لمدة دقيقتين في بداية الفلم ثم يعرض الصور البديعة المذهلة التي تم تجميعها باستعمال تقنيات علمية حديثة وبناءاً على آلاف الصور المأخوذة باستعمال التصوير بالرنين المغناطيسي. أرجو أن تلاحظي أن بامكانك اختيار مشاهدة الترجمة باللغة العربية وذلك بالنقر على تاب 33 languages الموجود أسفل الصورة من الجهة اليمنى ثم يمكنك اختيار اللغة العربية Arabic. أما إذا وجدت صعوبة في الإستماع ومشاهدة الفيديو بشكل جيد فأرجو لفت نظرك إلى أن بالإمكان تنزيل الفيديو ثم مشاهدته لاحقاً بالكامل. أنقري على كلمة Download في أعلى الشاشة.

يبهرني كل ما يحدث في التكوين. فكري كيف تتمكن خلية هنا أن تتحول إلى عظمة ثم تتحول خلية مطابقة لها في الشكل والمضمون هناك إلى عضلة. كيف تفهم أن ما عليها القيام به هنا يختلف عن هناك! كيف تزحف خلايا متناهية في الصغر ما يعادل آلاف الكيلومترات لتنتقل من الدماغ البدائي إلى مكان ما في أسفل الحبل الشوكي حيث تستقر إلى نهاية عمرها! كيف تعرف طريقها ولا تضيع في الزحام؟ ومن أكثر ما يبهرني السرعة التي تتكاثر فيها الخلايا بدون أن يحدث أي خطأ أو زيادة أو نقصان. سترين كيف تنقسم الخلايا في القلب البدائي بعد أربعة أسابيع من بدء التكوين بسرعة مليون خلية في الثانية! هل يمكنك تصور ذلك؟ ليست مائة أو ألف بل مليون خلية في أقل من رمشة عين! هذه أمثلة فقط، فهي غيض من فيض من التفاصيل الدقيقة التي تحدث في دقة وإحكام متناهيين. ولكن كفى … لنبدأ.

التحقق من صحة المعلومات التي تنشرها الصحف والإنترنت عن الصحة والطب

هل تصدقي كل ما ينشر من معلومات صحية وطبية في المجلات والصحف؟

أحياناً تصلني رسالة إيميل أو مقالة عن الصحة على الإنترنت وقد انتقلت بين عشرات وربما مئات القارئات قبلي وبعدي وتكون المعلومات فيها خاطئة! ويحدث هذا أيضاً أحياناً أخرى في الصحف المطبوعة أو المجلات لذلك من الضروري التريث قبل تصديق فعالية الدواء أو الكريم المعجزة أو الأعشاب والأغذية الشافية من أخطر الأمراض. ومن الأفضل التدقيق قبل الإمتناع عن تناول أدوية أخرى قالت مقالة في مجلة أنها ضارة أو عديمة الفائدة.

200570995-001كنا في كلية الطب ثم أثناء الدراسة العليا والتخصص نجتمع أسبوعياً في نادي المجلة Journal Club ونناقش المقالات المنشورة في المجلات الطبية ونستخدم أدوات تحليلية لتقييم دقة الإستنتاجات التي ذكرها مؤلفوا المقالة المختارة لذلك الأسبوع. فهناك شروط معينة يجب توفرها في أي مقالة طبية قبل أن ترتقي نتائجها إلى مستوى من القيمة يسمح في اعتمادها في علاج الناس وإرشادهم. وهذا ما زلت أقوم به تلقائياً كل يوم عندما أقرأ مقالة أو دراسة لأحكم قبل أن اصدق. ويفعل الأطباء هذا عند قراءة مقالات كتابها علماء ونشرت في مجلات مشهود لها، فما بالك إذا كانت المقالة التي وصلتك مجهولة المصدر أو كتبها صحفي غير متخصص ونشرتها مجلة للموضة؟ طبعاً هذا لا يعني أن الصحفي هو دائماً المسؤول عن المعلومة الخاطئة فكما ذكرنا قد يكون الباحث هو المسؤول ولكن كوني أنت نفسك الحكم.

ولأساعدك في هذه المهمة سأذكر عبر السطور القادمة بعض المفاهيم الأساسية التي يمكنك استعمالها لتقييم ما تقرأيه قبل أن تصدقيه وتعتمديه في حياتك وترسليه إلى صديقاتك عبر الإنترنت. فهناك إشارات بسيطة يمكن التقاطها إذا أشغلت بعضاً من التفكير ولم تكتفي بقراءة العنوان أو التزلج فوق السطور.

concept-18290_640[1]

المصدر العلمي للمعلومة

خذي حذرك إذا وصلتك بضعة سطور ملونة مثل قوس قزح حول ما يسببه تناول علاج معين من أخطار أو ما يشفيه شيء آخر من أمراض بدون ذكر البحث العلمي الذي استندت له المعلومة أو المجلة الطبية التي نشرته.

هل أجري البحث على الإنسان؟

فقد يشدو العنوان عن فائدة علاجات أو أعشاب معينة ولكن هل تذكر المقالة أن العلاج قد استعمل في علاج البشر أم كان موضوع البحث فأر مثلاً. ففي العادة تبدأ دراسة أي علاج على خلايا منفصلة في المختبر أو على الحيوانات، ثم في المرحلة التالية يبحث العلماء أثر الدواء الجديد على البشر وقد يظهر أن الدواء الذي كان فعالا عند الحيوان لا قيمة له في حالة البشر.

كم كان عدد الناس الذين أجريت الدراسة حولهم؟

إن الدراسات الصغيرة (بمعنى أن عدد الناس الذين أجريت الدراسة حولهم كان صغيراً) قد تعطي نتائج خاطئة حيث يلعب عامل الصدفة دوراً فيها. ولذلك عندما تقرأي عن معلومات حديثة إبحثي عن الأرقام لأن الدراسة الأكبر حجماً أكثر جدارة بثقتك.

هل قارنت الدراسة بين مجموعتين من الناس؟

هناك أنواع متعددة وتصاميم مختلفة من الدراسات ويتم اختيار تصميم الدراسة حسب موضوعها أو السؤال الذي تحاول الإجابة عليه. فإذا كانت الدراسة تحاول دراسة تأثير مادة كيماوية معينة أو دواء أو غذاء على البشر، ضاراً كان أو شافياً، يجب أن تدرس مجموعة أخرى من الناس لا تأخذ هذه المادة وتراقب الأعراض الموجودة عندهم لتقارنها بالمجموعة التي تعرضت أو تناولت المادة المدروسة وفي غياب هذا لا يمكن القول أن الأعراض أو النتائج التي ظهرت على من تناول المادة لها علاقة بتناول المادة وليست مجرد صدفة. وليس هذا كل شيء فهناك شروط يجب أن تتوفر في مجموعة المقارنة هذه إذ يجب أن تكون أوصافها مطابقة لأوصاف مجموعة الناس الذين تناولوا العلاج قيد البحث من حيث العمر والوزن والحالة الصحية وغير ذلك. ومن أفضل الطرق لإجراء بحث بهذه المواصفات هو أن يتم اختيار الناس في كلتا المجموعتين بطريقة عشوائية، ويسمى هذا النوع من البحوث randomized controlled trials. وخلاصة الأمر أن تتريثي قبل تناول كميات كبيرة من غذاء أو فيتامين أو غيره بمجرد قراءة مقالة عن فوائده السحرية.

مطابقة موضوع الدراسة الفعلي لعنوان المقالة

فمثلا إذا كان عنوان المقالة يتحدث عن دواء معين يخفض من حدوث الكسور عند النساء بعد سن الإياس عليك التأكد من أن الدراسة فعلاً حسبت أعداد من أصيبوا بالكسور. فقد تجدي أحياناً كثيرة بأن الدراسة لم تتناول أعداد من أصيبوا بالكسور ومن لم يصابوا، بل تناولت تأثير الدواء على مستوى كثافة العظم عند هؤلاء النساء ووجدته قد تحسن مع استعمال الدواء فاستنتجت وأعلنت أن الدواء يحمي من الكسور لاعتمادها على كون قوة كثافة العظام تخفف من احتمال حدوث الكسور. ولكن هذا التعميم قد يكون صائباً وقد يكون خاطئاً أحياناً. لذلك إذا قرأت عن دراسة أعلنت نتيجة لم تقم فعلاً بدراستها عليك التشكك وعدم التسليم كلياً بالمعلومة.

الجهة التي أجرت البحث ومولته

من الجدير معرفة من مول البحث الذي تناول دواء أو أعشاب أو كريم أو مادة غذائية، ففي كثير من الأحيان تقوم الشركات الكبرى mixture-69523_150[1]المصنعة للأدوية والمواد الغذائية بالدراسات والبحوث أو تقوم بتمويلها مالياً وفي هذه الحالة قد يكون لها مصلحة في الحصول على نتائج معينة. وقد تقوم بالتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الباحثين الذين أجروا الدراسة. طبعا هذا لا يعني أن جميع الأبحاث التي تجريها الشركات الصانعة غير جديرة بالثقة ولكن يستدعي هذا الوضع التحقق بدقة من عدم وجود تأثير للمصالح التجارية على النتائج العلمية.

سؤال: ماذا قرأت عن الصحة والطب ثم تبين بعد الحديث مع طبيبتك أو طبيبك عدم دقة الخبر أو مطابقة الحقيقة لوضعك؟ شاركينا تجربة من واقع عائلتك أو صديقاتك؟ إضغطي على Leave a comment أدناه واكتبي تعليقك.