إطلعي برة..تحركي..ليش لسة قاعدة

لا…لست في مزاج سيئ ولم أفقد صوابي وتهذيبي. إني أعني هذه الكلمات حرفياً.

إن الحركة والوقوف هما الحالتان الأكثر شيوعاً في الطبيعة فلن تجدي نحلة جالسة أو قرنفلة قاعدة في البستان مهما نقبت وفتشت إذ لم يتم تصميمهما لهذه الوضعيات. ولا يختلف تصميم الإنسان كثيراً عن جيرانة من نبات وحيوان. على الأقل هذا ما تقوله الأبحاث حول علاقة صحة الانسان وطول عمره بالحركة والوضعية التي يقضي فيها معظم وقته. ففي الشهر الماضي تحديداً نشرت مجلتين طبيتين دراستين منفصلتين توصلتا إلى نفس النتيجة التي كانت دراسات سابقة قد اتفقت عليها. وجدت الدراسة الأولى أنه كلما زاد الوقت الذي تقضيه وأنت تجلسين أمام التلفزيون كلما قصرت حياتك وتراجعت صحتك.

قلة الحركة تضر بالصحة
Photo:iStock

مضار الجلوس

في استراليا يبدو أن الناس تشاهد التلفزيون طويلاً ولكن لا أعتقد أننا نختلف كثيراً عنهم في هذا. وفي دراسة حول 12 ألف أسترالي نشرت في المجلة البريطانية للطب الرياضي تبين أن الناس تخسر (بالموت مبكراً) 21.8 دقيقة من عمرها مع كل ساعة إضافية يقضونها في وضعية الجلوس في مشاهدة التلفزيون بعد سن 25. ومن المثير أنه بالمقارنة يخسر الناس 11 دقيقة من أعمارهم مع كل سيجارة يدخنوها.

طبعاً لا يأتي الضرر من التلفزيون نفسه – ما لم تغفو إحدانا وتتدحرج عن المقعد وتقع أرضاً –  لكن في هذه الدراسة كانت مدة مشاهدة التلفزيون مقياساً لحالة الخمول وعدم الحركة. وإذا استمر هذا الخمول أمام التلفزيون لمدة ست ساعات يومياً على مدى عمرك فإنه ينقص 4.8 سنوات من حياتك مقارنة بصديقة زاهدة لا تشاهد التلفزيون مطلقاً—حتى ولو كنت تمارسين الرياضة بكثرة. ليس هذا كل شيء فقد صرح الباحث الرئيسي في هذه الدراسة بأن من لا يمارس الرياضة مطلقاً ولكن لا يشاهد التلفزيون ابداً قد يعيش عدد سنوات مساوي لمن يشاهد التلفزيون 6 ساعات يومياً ويمارس الكثير من الرياضة.

 لا تختلف دراسة أخرى نشرت في مجلة ديابيتولوجيا مع ما سبق، وفيها درس الباحثون نتائج 18 دراسة على ثلاثة أرباع المليون شخص. تناولت كثير من هذه الدراسات عادات الجلوس ومدتها عبر اليوم في المكتب والبيت وليس فقط الجلوس أمام التلفزيون. وجد التقرير أن الشخص البالغ يقضي 50 إلى 70 بالمائة من وقته جلوساً وأن الأمراض تزيد عند أكثر الناس خمولا وأكثرهم جلوساً فيزيد السكري مرة ونصف وأمراض القلب والشرايين مرة وخمس أما خطر الوفاة مبكراً فيزيد نصف مرة حتى ولو مورست الرياضة بانتظام. لماذا؟ لا نعلم بعد ولكن هناك نظرية تقول أن السمة الرئيسية للجلوس هي سكون العضلات الكبيرة في الساقين وهذا السكون يقلل من استهلاك الجسم من السكر، وهو الوقود الذي تستعمله العضلات عند العمل، مما يؤدي إلى تراكمه في الدم وهذا يلعب دوراً في الإصابة بمرض السكري ومشاكل صحية أخرى.

المغزى من هذه القصة هو: تجنبي الإكثار من الجلوس.

لكن لا تفرحي كثيراً فلن تجدي طبيباً واحداً ينصحك بترك الرياضة ورمي حذاء الرياضة على أقرب “هدف” في مؤتمر صحفي، فليس هناك من أدنى شك أن الرياضة مفيدة للصحة…ولكن ببساطة قد لا تكون كافية لوحدها.

إن لحظة البدء بممارسة الرياضة قد تكون الأصعب. ولكن قد تجدي أنك إذا غصبت نفسك عليها ولو لدقائق معدودة اليوم سيصبح الإستمرار فيها غداً أسهل ثم أكثر سهولة في اليوم الذي يليه. يقول د. ديباك تشوبرا أن الإستمرار في ممارسة مهمة معينة لمدة واحد وعشرين يوماً متتالية يؤدي إلى تغيرات في دوائر أعصاب الدماغ circuits تقويها وتجعل من هذه المهمة عادة متأصلة. وهناك نزعة جديدة نسبيا في عالم الرياضة والصحة لا تشجع على الإطالة في التمرينات فالرياضة لمدة طويلة ليست مرادفة للصحة وقد وجدت دراسة أن التمرين لأكثر من تسعين دقيقة مستمرة قادر على إضعاف جهاز المناعة في الجسم لمدة قد تصل إلى ثلاثة أيام. هذا وقد ظهرت مؤخراً أنظمة في الرياضة تعتمد على الإنتقال بين فترات قصيرة من التمرين على أقصى درجة أو سرعة إلى فترات قصيرة أيضاً من الراحة—أي تنصح بعدم الإستمرار في الركض مثلا …سحبة وحدة.

تسمى هذه الطريقة High Intensity Interval Training  أو HIIT أو التمرينات القصوى المتقطعة.

الطريقة الصحيحة في الرياضة

مثال على HIIT

إبدأي بالرياضة 3 أو 4 مرات بالأسبوع لمدة 10 دقائق. أركضي (مكانك في غرفتك إذا لزم الأمر) بأقصى ما عندك لمدة 30 ثانية ثم ارتاحي 30 ثانية وهكذا. طبقي نفس الطريقة على أي تمرين مثل تمارين الألواح planks. وعندما تشتد عزيمتك—في المستقبل القريب إن شاء الله—زيدي تكرار التمرين لمدة 60 ثانية قبل الراحة، أو استمري بنفس التكرار ولكن لمدة عشرين دقيقة بدل العشرة دقائق التي بدأت بها. وتذكري بأن لك أن تعودي إلى المدة القصيرة التي بدأت بها أو بتكرار التمرين لعدد أقل إذا لم تجدي النشاط الكافي في يوم ما.

في جامعة مكماستر في كندا وجدوا أن التمرين على طريقة HIIT لمدة 3 مرات بالأسبوع على دراجة ثابتة أعطى نفس الفائدة الحاصلة بعد الرياضة التقليدية المستمرة لمدة 40-60 دقيقة 5 مرات بالأسبوع. وفي بريطانيا وجد العلماء أن إضافة فترة لا تزيد عن 10-40 ثانية من الركض بأقصى سرعة الى تمرين مدته 10 دقائق خفيف السرعة والمقاومة على الدراجة الثابتة ولمدة 3 مرات اسبوعياً قام بتحسين الإستجابة وإضعاف مقاومة الجسم للإنسولين الذي هو عامل مهم في الإصابة بالسمنة المفرطة والسكري وأمراض القلب والشرايين.

بعد أن قرأت هذا هل ستقولي لنفسك معي، “إطلعي برة..تحركي..ليش لسة قاعدة؟”

ما رأيِك؟ هل لديك تعليق؟

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.